أَمَة الله
المساهمات : 239 تاريخ التسجيل : 22/11/2010
| موضوع: جنة الرضا في التسليم لما قدر الله وقضى الأربعاء مارس 13, 2013 4:55 pm | |
| .
بسم الله الرحمن الرحيم جنة الرضا في التسليم لما قدر الله وقضى للشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله
إنَّ الحمد لله نحمده َ وَنَسْتَعِيْنُ بِهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوْذُ بِاللَّهِ تَعَالَىْ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِىَ الْلَّهُ تَعَالَىْ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِىَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا الَلّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ أَمَّا بَعْــــدُ ......... فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيْثِ كِتَابُ الْلَّهِ تَعَالَي وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّيْ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ ، وَشَرِّ الْأُمُورَ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدَعِهِ وَكُلْ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِيْ الْنَّارِ الْلَّهُمَّ صَلّىِ عَلَىَ مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِ مُحَمِّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَىَ إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَىَ آَلِ إِبْرَاهِيْمَ فِيْ الْعَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ ، وَبَارِكْ عَلَىَ مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِ مُحَمِّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَىَ إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَىَ آَلِ إِبْرَاهِيْمَ فِيْ الْعَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ كل إنسان مبتلى ولكن ببلاء مختلف عن الآخر:إن الله تعالى كتب الابتلاء علىكل فرد فلا ينجو منه أحد ، لكن يبتلى كل إنسان ببلاء يخالف بلاء الرجلالآخر ، لكن لا يمضي رجل أبدًا - سواء من المؤمنين أو الكافرين - إلا وقدابتلي في الدنيا ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسم لأصحابه خطًا مربعًا ،ثم مد خطًا من داخل المربع فتجاوز المربع ، ثم رسم خطوطًا قصارًا في داخلالمربع ، وحول هذا الخط الطويل ثم أشار إلى المربع وقال - عليه الصلاةوالسلام- :« هذاأجل ابن آدم محيط به » ، ثم أشار إلى الخط الطويل وقال: « هذا أمله » -أي: أنأمله يحتاج إلى أضعاف عمره - ثم أشار إلى الخطوط القصار حول هذا الخطالطويل وقال: « هذه الأعراض إذا نجا من عرض نهشه الآخر » ،يعني: أن الإنسان في الدنيا لا ينفك أبدًا عن عرض يعرض له وعن فتنة تلابسه . من فوائد البلاء:إن أعظم منافع التعرض للبلاء هو أنه يجعل القلب قويًا ؛لأن القلب إنمايستمد مادة حياته من البلاء ؛ ولذلك اختار الله - عز وجل - البلاء لأوليائهوأنبيائه ، ترى هل يترك الله - عز وجل - أولياءه يتخبطون في الأرض ؟! لماذا يخرج موسى خائفًا يترقب ؟ ، لماذا يخرج نبينا - صلى الله عليه وسلم- ويختبئ في الغار ؟ ، لماذا يدال على دولة المؤمنين كثيرًا وهم أولياء الله - عزوجل - ؟! لأن القلب يستمد حياته من المحن ، ولذلك تجد أضعف الناس قلوبًا هم أهلالترف ، أما أهل الابتلاء فهم أقوى الناس قلوبًا . العبد يوم القيامة يوزنعند الله - عز وجل - بقلبه لا بجسمه :قال إبراهيم - عليه السلام:- ﴿ وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾( الشعراء:87-89) ، وصعدعبد الله بن مسعود -رضي الله عنه - يومًا إلى شجرة ، فنظر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه وتضاحكوا فقال عليه الصلاة والسلام:« ما يضحككم ؟ » ، قالوا: يا رسول الله ! نضحك من دقة ساقيه - وكانابن مسعود ضعيفًا شديد الضعف ، بحيث أن الرياح إذا هبت كانت تكفئه ، فلما صعد إلىالشجرة رأوا دقة ساقيه فتضاحكوا، فقال النبي - عليه الصلاة والسلام -:« والذينفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد » ؛ ذلك لأن الله - عز وجل - يزن العباديوم القيامة بقلوبهم . أيوب - عليه السلام - أنموذج في الصبر على الابتلاء:وعندنا نماذج كثيرة من صور المبتلين: أول هؤلاء المبتلين وأشهرهم هو: أيوب - عليه السلام - ، زكاه ربه - سبحانه وتعالى - فقال: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾(ص:44) ، وقد روىابن حبان والإمامأحمد في مسنده قصة أيوب على لسان الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، فقال:« لبثأيوب في بلائه ثمانية عشر عامًا ، فرفضه القريب والبعيد غير أخوين له ، وذاتيوم كانا يجلسان عنده ، فلما قاما وهما بالانصراف قال أحدهما للآخر: تعلمأن أيوب أصاب ذنبًا عظيمًا ؟ قال: ولم ؟ ، قال: لأن الله ابتلاه منذ ثمانيةعشر عامًا ما رفع عنه ، قال: فلم يتمالك هذا الرجل الآخر إلا أن رجع إلىأيوب - عليه السلام - ، فرجع إليه وقال له: إن أخي يقول: إنك ارتكبت ذنبًاعظيمًا ، وإلا فلماذا لم يرفع عنك الله البلاء حتى الآن ؟ فقال أيوب - عليهالسلام -: أنا لا أعرف شيئًا من ذلك ، غير أني كنت إذا سمعت الرجل يحلف ،فأخاف أن يحنث فأرجع إلى بيتي فأكفر عنه » ، هذا هو الذي يذكره أيوب - عليهالسلام - وهذه هي عادة المؤمنين ، يكرهون أن يحنث في اسم الله العظيم ، قديكذب نفسه لكن لا يتحمل أن يحنث في اسم الله ، كما روىمسلم في صحيحه من حديثأبي هريرة - رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-:« أبصر عيسى - عليه السلام - رجلًا يسرق ، فقال له: أتسرق ؟ فقال الرجل: والله ما سرقت ، فقال عيسى - عليه السلام -: آمنت بالله وكذبت بصري » ، تكذيب نفسه أهون عنده من أن يحنث في اسم الله العظيم . وقد ذكرابن عبد البر -والعهدة عليه في تصحيح هذا الخبر - قال: روينا بأسانيد صحيحة أن عبد الله بن رواحة وهو شاعر النبي - عليه الصلاة والسلام- رأته امرأته يطأ جارية له ، فغارتوجاءت بسكين ، وقالت له: فعلت وفعلت ، قال: ما فعلت ؟ قالت: إن كنت صادقًا فاقرأ شيئًا من القرآن ، فأنشدعبد الله بن رواحة -والمرأة ما كانت تحفظ القرآن-: شهدت بأن وعد الله حــق * وأن النار مثوىالكافرين وأن العرش فوق الماء طـاف * وفوق العرش رب العالمين وتحـملهملائـكـة غـلاظ * مـلائكة الإلـه مسومين فألقت المرأة بالسكين وقالت المرأة: آمنت بالله وكذبت بصري،هكذا فإن العبد المؤمن يكره أن يحنث في اسم الله العظيم ، يكذب نفسه ويكذبعينه ويكره أن يحنث في اسم الله ،كذلك فعل أيوب - عليه السلام - قال:« كنت أسمع الرجل يحلف فأكره أن يحنث في اسمالله» ، فكان يرجع إلى بيته فيكفر عنه . ثم إن الله - تبارك وتعالى - امتن علىأيوب - عليه السلام - فقال له - تبارك وتعالى:-﴿ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾(ص:42) ، فامرأته رجعت إليه فوجدت رجلًا صحيحًا معافىً ، فقالت له: أي بارك اللهفيك ! أما رأيت نبي الله أيوب ذاك الرجل المبتلى ؟ قال: هو أنا ، وهكذا فإنالله - تبارك وتعالى - منَّ عليه وملأ خزائنه ورضي عنه » ،وفي الصحيحين: « أنأيوب - عليه السلام - كان يغتسل عريانًا ، فجاء فخذ جراد من ذهب فجعل يحثو فيثوبه ، فقال الله - عز وجل - له: يا أيوب! أو لم أكن أغنيتك ؟ قال: يا رب ! لاغنى لي عن بركتك » ،فكان أيوب - عليه السلام - سيد الصابرين ، وضرب الله - عز وجل - به المثل في القرآن كثيرًا ، قال - صلى الله عليه وسلم -:« كذلك نحن معاشر الأنبياء نبتلى ثم تكون العاقبة لنا ». إن المهم بالنسبة للعبد المبتلى هو سلامة القلب :فلا يضرك ما فاتك من جارحتك إذا سلم قلبك ، ما كان عند أيوب - عليه السلام - إلا قلبًا ، حتى إن أحاديث الإسرائيليات التي وردت في قصة أيوب فيها رواياتتقول: إن أيوب - عليه السلام - كان الدود يرعى في جسمه ، لكنه ما ضره ما فاتهمن جارحته إذ سلم قلبه ، فلا تنظر إلى جارحتك ، فأنت لا تدري لعل الله - تباركوتعالى - إن تركك صحيحًا كنت من العصاة ، فالعجز عن معصية الله نعمة . وهنا تحضرني قصة كنت أحد أطرافها ، وملخصها: أن طفل صغيرًا عمره تسع سنوات ،ولد وفي قلبه ثقب ، ثم إن هذا الثقب أثر فيه فكان معاقًا من أطرافهالأربعة ثم عرضنا أمر هذا الطفل الصغير على بعض أهل الخير فتبرع بكرسيوتبرع بدفع نفقات جلسات كهرباء لهذا الولد الصغير ، بدأ الطفل في رحلةالعلاج ، وسبحان الذي برأه وأعاده مرة أخرى إلى صحته بعد حوالي سبع سنوات! وقف هذا الطفل على رجليه واسترد عافيته ، وحين شب صار يعمل في الأعمالاليدوية الشاقة ، سافر هذا الشاب إلى العراق من نحو عشر سنوات أو أكثر ،ولما ذهب هناك ما ترك معصية إلا فعلها ، فعل كل شيء ؛ زنى فأدمن الزنا ، وشربالخمر فأدمن شرب الخمر ، ثم رجع مرة أخرى وهو يجر أذيال خيبته ، ومن حينهاما استقام ، وهو حتى الآن لا يصلي! ، فلو بقي عاجزًا ألم يكن ذلك نعمة له ؟ . فالله - تبارك وتعالى - يبتلي بالشروالخير ، لكن أحسن الظن بربك ، قل: إن الله اختار لي ما فيه الخير ، فلو كنتصحيحًا قد لا أكون طائعًا ، قد لا أكون ممتثلًا ، فإذا أحسنت الظن بالله -تبارك وتعالى - ضمن لك سلامة قلبك: فلا تظنن بربك ظن سوء فإن الله أولى بالجميل .
أبو قلابة الجرمي عبد الله بن يزيد وصبره علي البلاء:وقد روى الإمامابن حبان - رحمه الله - في كتاب الثقات قصة عجيبة لمعوق من أشهر المعوقين في تاريخ المسلمين وهو الإمام الكبير العلمأبو قلابة الجرمي عبد الله بن يزيد وكان من الرواة عنأنس بن مالك - رضي الله عنه - ، ويروي هذه القصةعبد الله بن محمد ،قال: خرجت مرابطًا في عريش مصر ، فبينما أنا أمشي إذ مررت بخيمة وسمعت رجلًا يقول: ﴿ رَبِّأَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىوَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِيبِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾(النمل:19) ، قال: فنظرت إلى هذا الرجل الذي يدعو فإذا هو معاق ، وقد فقد يديه ورجليه ،وفقد بصره ، وثقل سمعه ، فجئته وقلت له: يا عبد الله ! إني سمعتك تقول كذاوكذا ، فعلى أي شيء تحمد الله؟! فقال له: يا عبد الله! والله لو أرسل الله الجبال فدمرتني ، والبحار فأغرقتني ، ما وفيت نعمة ربي على هذا اللسانالذاكر ، ثم قال له: لقد فقدت ابني منذ ثلاثة أيام ، فهل تلتمسه لي ؟ وكانابنه هذا يوضئه ويطعمه ، فقلت له: والله ما سعى أحد في حاجة أحد أفضل منحاجتك ، قال: فتركته وخرجت أبحث عن الغلام ، فما مشيت قليلًا إلا وأبصرتعظمه بين كثبان من الرمل ، وإذا بسبع قد افترسه ، قال: فوقفت وقلت: كيف أرجعإلى صاحبي وماذا أقول له ؟! وجعلت أتذكر ، قال: فتذكرت أيوب - عليه السلام -فلما رجعت إليه سلمت عليه ، فقال: ألست بصاحبي ؟ قلت: بلى ، قال: فماذا فعلولدي ؟ قلت: هل تذكر أيوب - عليه السلام - ؟ قال: نعم ، قلت: ماذا فعل الله به ؟قال: ابتلاه الله - عز وجل - في نفسه وفي ماله ، قال: فكيف وجده ؟ ، قال: وجدهصابرًا ، قال: ولم يكن ذلك فقط ، إنما انفض عنه القريب والبعيد ، ورفضهالقريب والبعيد ، قلت: وكيف وجده ؟ قال: وجده صابرًا ، يا عبد الله ! ماذاتريد ؟ فقال له: احتسب ولدك ، فإني وجدت سبعًا افترسه بين كثبان الرمل ، قال:الحمد لله الذي لم يخلق مني ذرية إلى النار ، وشهق شهقة فخرجت روحه فيها ،قالعبد الله بن محمد : فقعدت حائرًا ماذا أفعل ، لو تركته لأكلته السباع ولو ظللت بجانبه مااستطعت أن أفعل له شيئًا ، قال: فبينما أنا كذلك إذا هجم علي جماعة من قطاعالطرق ، فقالوا: ما حكايتك ؟ فحكيت لهم الحكاية ، قالوا: اكشف لنا عن وجهه ،فكشفت عن وجهه فانكبوا عليه يقبلونه وهم يقولون: بأبي عينًا طالما غضت عنمحارم الله ، وبأبي جسمًا كان على البلاء صابرًا ، قال: فغسلناه وكفناهودفناه ، ثم رجعت إلى رباطي . قال: فنمت فرأيته في منامي صحيحًا معافى ، فقلتله: ألست بصاحبي ؟ قال: بلى ، قلت: فما فعل الله بك ؟ قال: أدخلني الجنة وقاللي: ﴿ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾(الرعد:24) فهذا كان معوقاً لكن سلم قلبه . الطب النفسي الحقيقي كله موجود في آية فيكتاب الله - عز وجل:-إن الطب النفسي كله في الوقت الحاضر يعالجشيئًا واحدًا فقط ، وهو اضطراب القلب ، والخوف من المجهول ، وأغلب - إن لم يكنكل - الأطباء النفسيين مرضى ويحتاجون إلى علاج ؛ لأنهم ينصحون المكتئببمعصية الله - عز وجل -، أعرف طبيبًا يذهب إليه المكتئب فيقول للمكتئب: هل أحببت امرأة قط ؟ يقولله: لا يقول له: هل لديك علاقة مع أي امرأة ؟ يجيب المكتئب: لا ، يقولالطبيب: هذا السبب ، لابد أن تحب ، الحب حياة القلب ، يسأله الطبيب مرة أخرى: هل تسمع موسيقى ؟ يجيبه: لا ، فيقول: لابد أن تسمع الموسيقى حتى ترتاحأعصابك . هؤلاء الأطباء مرضى ، وإن الطب النفسي الحقيقي كله موجود في آية فيكتاب الله - عز وجل:- ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾( الرعد:28) ، وقالسعيد بن المسيب - رحمه الله -: إنا لفي سعادة لو علم بها ملوك الأرض لجالدونا عليها بالسيوف، السعادة هي: السلام النفسي الذي يشعر المرء به ، لو بذل المرء كل غالونفيس ما استطاع أن يشتري قلب أحد ، فالاكتئاب والخوف إنما هو بسبب ضعف هذاالقلب . إذًا الإنسان لابد أن ينظر إلى قلبه ، فقوة الجارحة تابعة لقوةالقلب ، وضعف الجارحة تابعة لضعف القلب ، وأنت ترى الرجل القوي الفتي صاحبالعضلات المفتولة ربما تقول له خبرًا ما يجعله يخر صريعًا على الأرض.. لاتحمله قدماه برغم سلامة العضلة وقوة الجارحة ، لماذا سقط هذا الرجل ؟ لضعفقلبه ، فعزمك في قلبك ، لا يضرك ما فاتك في جارحتك . وهناك كثير من أهل العلم والفضل ابتلاهم الله - تبارك وتعالى - بنوع من أنواعالبلاء ، فعندنا مثلًا الإمامالأعرج عبد الرحمن بن هرمز ، وهو من أشهر الرواة ، عنأبي هريرة - رضي الله عنه - ، ولا يعرف في كتب الحديث إلا بـالأعرج، وكذلكعاصم بن سليمان الأحول ، لا يعرف في الكتب إلا بـالأحول، فإذا قيل: الأحول عنأنس فهوعاصم بن سليمان ، وكذلك الإمامالترمذي صاحب السنن ولد أعمى والإمامحماد بن زيد - أيضًا - ولد أعمى ، وكذلك قال العلماء في ترجمةحماد بن سلمة : كان عابدًا زاهدًا لو قيل له القيامة غدًا ما قدر أن يزيد في عمله شيئًا ، وكانحماد بن زيد ضريرًا ويحفظ حديثه كله ، وهو من الأئمة الثقات الذين عقدت عليهم الخناصرفي العدالة والضبط . أهمية النظر للقلب:فنحن يجب أن ننظر نظرة اعتبار إلى هذا القلب ، فالقلب ملك البدن ، وإذا طابالملك ؛ طابت جوارحه ، وإذا خبث الملك خبثت جوارحه ، وهذا القلب الذي به قوامحياتك هو في يد الله - عز وجل - ، فأنت لا تملكه ولا تستطيع أن تتصرف فيه ،فأحيانًا تغلب على حب شيء ما يتلفك وتنفق مالك كله بسببه ، وربما فقد المرءسمعته ، ومع ذلك يقول: قلبي ليس بيدي ، فلو كان قلبه بيده لما كفر ولا جحدولا نسي الله طرفة عين ، لكن قلبه بيد الله - عز وجل -. وإلى هذه الآية العظيمة الباهرة أشار النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - فكانأكثر يمينه يقول: « لا ومقلب القلوب» إشارة إلى أن هذا القلب لا يحسن أحد التصرف فيه ، ولا الهيمنة عليه إلاالله - تبارك وتعالى - ، وكان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول:« إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله - عز وجل - يقلبها كيف شاء ». فالبلاء ليس غضبًا من الله تعالى ، كما أنه ليس رضا ، أعني: أن البلاء ليسعلامة غضب أو رضا ، ربما يبتلي الله - عز وجل - العبد في الدنيا ويزيده فيالآخرة عذابًا وربما ابتلاه في الدنيا ليرفع درجته ، ولكن ما هو الضابط ؟إن الضابط استقامة المرء على المنهج الحق وعلى طريق الله - عز وجل - . دخل رجل على أحد أصحابه في القرن الثالث الهجري فوجده مريضًا يئن ، فقالله: ليس بمحبٍ من لم يصبر على ضرب حبيبه ، فقال له الرجل: بل ليس بمحب منلم يتلذذ بضرب حبيبه . عروة بن الزبير بن العوام وقطع رجله:وفي الحكاية الصحيحة الثابتة: أن عروة بن الزبير بن العوام- وهو أحد التابعين الكبار - رحل إلىعبد الملك بن مروان ، وكان في رجله مرض ودبت إلى رجله الأكلة فلما وصل إلىعبد الملك بن مروان استشرى المرض في رجله ، فقال الطبيب له: لا حل إلا أن نقطعها لك ، قال: وكيفذلك ؟ قالوا: تشرب خمرًا حتى نستطيع أن نقطعها لك فلا تتألم ، فقال: ما كنتلأستعين على دفع بلاء الله بمعصية الله ، ولكن دعوني حتى إذا دخلت فيالصلاة فاقطعوها - لولا أن أسانيد هذه القصة صحيحة لما كاد المرء يصدقها! - قال: فلما دخل في الصلاة قطعوها فما أحس بها ، وبعد أيام من قطع رجله ، سقطولده من على سطح الدار فمات ، - وكان عنده سبعة أولاد - فبلغ ذلكعروة فقال: اللهم لك الحمد ، أخذت واحدًا وأبقيت ستة ، وأخذت عضوًا وأبقيت ثلاثة ،اللهم لئن ابتليت فلقد عافيت ، ولئن أخذت فلقد أبقيت ، قال الله - تباركوتعالى:- ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾(إبراهيم:7) . أعظم الصبر هو الصبر عن معصيةالله - عز وجل -: ، أحيانًا الإنسان من يأسه وضجره من نفسه ومن المجتمع الذيحوله يبدأ يشغل نفسه بأشياء من اللهو الباطل ويضيع حياته ، لا يا أخيالكريم ! كن منارة لهؤلاء الأصحاء الذين لا يشعرون بالنعمة العظيمة التييتنعمون بها ليل نهار ، رجل من الأعيان ومن أغنى الأغنياء في مدينة القاهرة، ابتلاه الله - تبارك وتعالى - بمرض خبيث - نسأل الله أن يعافينا وإياكم منه! - فقطعت ساقاه ، ومع ذلك هذا الرجل - والله - نزوره لننظر إلى وجهه فقط ، فنرىالرضا على وجهه ، ولسانه ينطق بالرضا ، ومع ذلك لم يرزق ولدًا وله إخوة فيغاية العقوق ، أخوه يسكن في الشقة المقابلة له في نفس العمارة التييمتلكونها ، يقسم لي بالله أن أخته تظل ثمانية أشهر لا تأتيه ، ولا تسأل عنهوبين الباب والباب متر واحد فقط ، ثمانية أشهر لا تأتيه ، ويدخل في غيبوبةويفيق من الغيبوبة ولا تأتيه ، ولا يأتيه أولادها ، ومع ذلك فالله - تباركوتعالى - جعل أفئدة الدعاة إلى الله - عز وجل - تهوي إليه ، فمنتدى الدعاة كلهمعند هذا الرجل ، تنطق أساريره بالرضا . يذكرني بكلام ذكره شيخ الإسلامابن القيم - رحمه الله - ، كان يقول: كانت إذا ضاقت بنا الدنيا وأدركتنا الوحشة ؛ ذهبنا إلى شيخ الإسلامابن تيمية - رحمه الله - فما هو إلا أن نراه ، ونسمع كلامه ، حتى يذهب عنا كل الذي نجده، مع أن شيخ الإسلامابن تيمية من أشهر المبتلين ؛ فقد سجن سبعة عشر عامًا متفرقات ، بسبب فتاويهالتجديدية ، لقد جدد دين الله - تبارك وتعالى - ، وتحمل الأذى وصبر ، ومع ذلك كانهذا الرجل مبتلى ؛ إذا جاءوا ونظروا إلى وجهه تبدد ما يجدونه من ضيق النفس ،وما هذا إلا للرضا الذي كان يشعر به شيخ الإسلامابن تيمية .
المبتلي ومعية الله عزوجل الخاصة له:أنت - أيها المبتلى الصابر - في معية الله - تبارك وتعالى – العامة ، وكذلك المعية الخاصة: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾(البقرة:153) ، هذه هي المعية الخاصة التي هي أجل من المعية العامة ، المهم أن تحسن ظنكبربك - تبارك وتعالى - ، ولا تصرف عمرك ووقتك إلا فيما يرضيه ، فإن النبي - صلىالله عليه وسلم – قال:« ما من ساعة تمر على ابن آدم لا يذكر الله فيها إلا ندم عليها يوم القيامة ». نداء لكل أخ معاق:فأقوللكل أخ معاق: كن منارة ، واضرب المثل للذين يرفلون في ثوب العافية اجعلهميحتقرون أنفسهم عندما يجدونك في الصف الأول في الصلاة ، برغم أنك معاق ولاتتمتع بالحرية التي يتمتعون بها ، فلعل أحدًا ممن يراك يحتقر نفسه ولربماكنت معلمًا وإن لم تكن صاحب لسان ، نسأل الله - تبارك وتعالى - أن ينفعناوإياكم بما علمنا ، وأن يعلمنا ما جهلنا ، وأن يجعل ما قلناه وما سمعناهزادًا إلى حين المصير إليه ، وعتادًا إلى يوم القدوم عليه ، إنه بكل جميلكفيل ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ،أقول قولي هذا ، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، وصلى الله وسلم وبارك علىنبينا محمد ، والحمد لله رب العالمين.
. | |
|